لا شك أن الإنسان كائن يختلف اختلافا كليا عن سائر المخلوقات ، فالإنسان يعي ذاته في اللحظة التي يقول فيها " أنا " ما يعني الإحساس بالتفرد والتمايز عن باقي الموجودات بما فيها الأخر سواء كان شبيها أو غريبا عن الذات فالواقع البشري هو واقع اجتماعي ، حيث الإنسان يعيش تجربة الحياة المشتركة مع الأخر مادام الإنسان كائنا اجتماعيا، فحتى الحمقى والمجانين شركاء في الانتماء للإنسانية
ومسألة التفرد والتمايز هذه – رغم واقعية وجودها – إلا أننا نمارسها باختلال واضح جدا فى الاتجاهين ، أما أن نعطي لأنفسنا تفردا مطلقا عن الاخرين رغم أن الواقع ليس كذلك ، واما لا نشعر بهذا التفرد ولا ندرك القيمة الحقيقة لأنفسنا
ونموج فى بحر من الاشارات الكهربائية المضللة فنتعالي على الاجدر منا ، ونارس خنوعا مميتا لمن اقل شأنا واعدم منا حيلة ، ونلقي على الاخرين تهما بكل سهولة ، دون أن نجيد التراجع أو الأعتذار ، كأن من الخطأ أن تعود أدراجك ما دمت قد مشيت في الطريق الخطأ ، ونعتذر عن اشياء لم نفعلها لمجرد أن رضاء الاخرين يتوقف على هذا الاعتذار المزيف
واصبح التعالي هو القاعدة ، والنظر إلى الآخرين بدونية هي الطريقة الوحيدة للرتبع على المكانة المستهدفة ولو كانت واهية كخيوط العنكبوت
هناك قصة معروفة فهمنا الخاطي – أحيانا – لمسألة التفرد والتمايز
في رحلة طيران جلست شقراء جميلة جدا بجانب محامي كبير ومعروف .. الشقراء شدت أنظاره . قال لنفسه : " لو كان لها عقلا بقدر نصف جمالها لكنت أجيرا عندها . سبحان الذي يهب الجمال لمن لاعقل له " وبعد تفكير أضاف لنفسه" الرحلة طويلة ، ومع شقراء جميلة وغبية بالتأكيد ستكون رحلة ممتعة جدا
وبدأ يعاكسها ، هل تعرفيني على نفسك ؟ ما رأيك ان نتسلى بلعبة جميلة ، حتى لا نشعر بالوقت .. وعشرات الأسئلة .. وهي تنظر اليه شذرا وتحاول التملص من مضايقته وقال " اسمعي يا سيدتي الجميلة ، أقترح عليك لعبة ، ونسبة الفوز من واحد لي الى عشرة لك .. انا أسألك .. اذا لم تعرفي الاجابة تدفعين لي خمسة دولارات . ثم تسألينني أنت . اذا لم أعرف الجواب أدفع لك خمسون دولارا.. ما رأيك ؟" وضحك ضحكة كبيرة معتزا بمعلوماته وقدرته على الانتصار على هذه الشقراء الجميلة والغبية والمغرية بنفس الوقت . فنظرت اليه بطرف عينها ، وهزت رأسها موافقة ، وسألها السوال التالي
ما المسافة بين الكرة الأرضية وأقرب كوكب في المجموعة الشمسية ؟
لم تجب ، أخرجت من حقيبتها خمسة دولارات وأعطته اياها... ضحك سعيدا لأنه أثبت تفوقه بالذكاء عليها من السؤال الأول . " الآن دورك " قال لها . وسالته :
ما الذي يصعد التل بثلاثة سيقان وينزل منه بأربعة سيقان..؟
فكر طويلا . وشعر بالاحراج لأنه لم يعرف الجواب . ثم اضطر الى اخراج محفظته ودفع لها خمسين دولارا. الشقراء أدخلت النقود لحقيبتها دون ان تقول شيئا. المحامي قال لنفسه : "يبدو انها أذكى مما توقعت " وسألها : حسنا .. ما هو الجواب لسؤالك ؟
ودون ان تقول الشقراء اي كلمة ، أخرجت من محفظتها خمسة دولارات وأعطتها للمحامي
يجب أن ننظر للأخرين النظرة التي يستحقوها من الاحترام واللتقدير ، فقد اضاعوا الكثير على أنفسم ليكونوا مقدرين ومحترمين