الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

الثعالب والحمير

من قصص بيدبا في كتاب كليلة ودمنة 

 زَعمُوا أنهُ كانَ أسدُ في أجمةٍ وكان معهُ ابنُ آوَى يأُكل منْ فضَلاتِ  طَعامهِ ، فأصابَ الاسدَ جَرَبٌ وضَعُفَ ضُعفاً شديداً وجُهِدَ فلمْ يَسْتطعِ الصَّيْدَ ، فقالَ لهُ ابْنُ آوى : ما بالُكَ ياسيُّدَ السَّباعِ  . قدْ تَغيَّرَتْ أحوالُكَ؟ قال : هذا اَلجرَبُ الذي قد أجهَدني وليْسَ لهُ دَواءُ إلاَّ قلْبُ حِمارٍ وأذُناهُ . قال ابْن آوى :ما أيْسَرَ هذا ، وقدْ عَرَفْتُ بمكانِ كذاَ حماراً وأنا آتِيك بهِ ، ثمَّ دَلَف إلى الحِمارِ فأتاهُ وسلَّمَ عليْه وقال : مالِي أراكَ مَهْزُولاً ؟ قالَ : مايُطعمُني صاحِبي شيئاً. فقالَ لهُ : كيْفَ تَرْضَى المقامَ معهُ على هذا الحالَ ؟ قال : مالِي حيلةٌ للهرَبِ منه فلسْتُ أتوجهُ إلى جهةٍ إلاَّ أضرَّ بي إنْسانٌ فكدًّني وأجاعني .

قال ابنُ آوَى : فأنا أدُلكَ على مَكانٍ مَعْزُولٍ عنِ النَّاسِ لا يَمُرُّ بهِ إنْسانُ ، خَصِيبِ المَرْعى لم تَرْ عيْنَ مثله خصبا.

قال الحِمارُ : وما يحبسُنا عنه ؟ فانْطلقْ بِنا  إليه. فانْطََلَقَ بهِ نحوَ الأسدِ وتقدَّمَ ابْن آوى ودَخَلَ الْغابةَ على الأسدِ وأخبرَهُ بمكان الحِمار ، فخرَجَ إليهِ وأرادَ أنْ يَثِبَ عليْهِ فلم يَسْتطعْ لِضعْفِه ، و تَخلَّصَ الحِمارُ منهُ فأفلَتَ هَلعاً على وجْهِه. فلمَّا رأى ابْنُ آوى أنَّ الأسدَ لمْ يقْدِرْ على الحِمارِ ، فال : يا سيَّدَ السِّباعِ  أَعجزْتَ إلى هذهِ الغايةِ ؟ فقالَ لهُ : إنْ جِئتَني بهِ مرَّةً أْخرَى فلَنْ يَنْجُوَ منِّي ابداً فمضَى ابْن آوى إلى الحِمارِ فقالَ لهُ : ما الذِي جَرى عليْكَ ، إنَّ الأسد لم يعرفْك ، وقد ظنَّكَ ضبعاً ، اعتادت أن تعتدي على أشباله ، وأن الأسد قد أعلمني أنه لو كان عرفك ، لرَحَّبَ بكَ ، وسمحَ لك أن تشاركه السكن في الغابة ، ترعى وتمرحُ و تذهبُ فيها أنى شئت !  فلمَّا سَمِعَ الحمارُ ذلكَ إطمأن ونَهَقَ وأخَذَ طريقهُ إلى الأسدِ ، فَسَبَقَه ابن آوى  وأعلَمَهُ بمكانهُ وقال له ُ : اسْتعِدَّ لهُ فقدُ خَدَعتُهُ لكَ فلا يُدْركَنَّكَ الضَّعْفُ في هذهِ النَّوْبةِ فإنهُ إنْ أفلَـَتَ  لنْ يَعُودَ مَعي أبداً فجاشَ جأشُ الأسدِ لتَحْريضِ ابنِ آوى لهُ ، وخرَجَ إلى موضِعِ الحِمارِ فلمَّا بَصُرَ به عاجلَهُ بوَثبةٍ افترسهُ بها . ثم قال َ : قد ذَكَرَتِ الأطبَّاءُ أنه لا يؤكلُ إلاَّ بَعْدَ الغُسْل والطُّهُورِ فاحتَفِظْ بهِ حتى أعودَ فآكلَ قلبه وأذُنْيهِ وأتركُ ما سِوَى ذلكَ  قوتاً لكَ . فلمَّا ذَهبَ الأسدُ لِيَغتَسِلَ عَمَدَ ابْنُ آوَى إلى الحِمارِ فأكل قلْبَهُ وأذُنيهِ رَجاء أن يَتَطيَّر الأسدُ منهُ يأكل منهُ فلا يأكل منه شيئاً ً. ثمِّ إنَّ الأسدَ رَجعَ إلى مكانه فقال لاِبن آوَى : أيْنَ قلْبُ الحِمارِ وأذُناهُ ؟ قال ابْن آوى : أوَلمْ تَعْلَمْ أنهُ لوْ كانَ لهُ قلبُ و اذُنانِِ لمْ يَرجعْ اليْكَ بعْدَ ما أفلًتَ و نجَا من الهَلَكِة .


ما أخبث الثعالب ولو كانت وديعة وما اجبن الاسود حين تمرض وتشيخ ، اما الحمير فمنتهي العدل افتراسها لانها لم تستطيع ان تكون شيء آخر