الاثنين، 27 نوفمبر 2017

بعض منهم


(1)
بطئ ، دقيق ، هادي تلك الصفات التي إذا ما "اجتمعت في شخص أطلقنا عليه بلقب (باله طويل) ، هذه الصبغة التي يتلون بها أحد أصدقائي والذي – دوما – تتعارض دقته وبطئه وهدوءه مع دقة مواعيده معي ، وهذا أصعب ما أواجه في حياتي ، فأضطر ان أتحرك في اتجاهه بعد الموعد بساعة ، فأحصل على نفس النتيجة ، ساعتين فلا يحرك ساكنا ، حتي وصل الأمر ادعاؤه بعدم رؤية محاولاتي بالاتصال حتي لا يغضبني من كثرة الانتظار ، صديقي أصاب نظريات علم النفسي التي تناولت التعلم والتغيير في مقتل من فرط سرعته في تلبية إشارتي بالوصول حتي لا أمارس الطريقة الجديدة في استدعاؤه بها وهي ركل سيارة للتمتع بصوت الإنذار فيها .

(2)


 دقيق ، زكي ، متحمس يملك عقلا ميكانيكيا فريدا ، لا يعترف بالفشل ، تلك هي الصفات التي إذا ما اجتمعت في شخص  أطلقنا عليه لقب (لهلوبة) يعمل في سكك حديد مصر ، كان في مهمة عمل في ورش طنطا وبعد انتهاء المهمة نوى الذهاب مترجلا إلي محطة قطار طنطا ليستقل القطار إلي القاهرة ، وإثناء سيره لاحظ وجود قطار متوقف يتهيأ لدخول محطة طنطا ففكر ان يقفز بين عرباته لمسافة كيلو متر واحد حتى المحطة ، لينزل فيها ويستقل قطار القاهرة ، فكرة جيدة طالما أنها متاحة – هكذا رأي – ولكن للقطار رأي أخر إذ لم يتوقف في طنطا وأكمل السير إلي الإسكندرية رأسا ، واكتشفت وهي يحكي علي مأساته بين العربات لمدة ساعة انه أخيرا ذاق الفشل عندما قضي وقته من طنطا إلي الإسكندرية محاولا إشعال سيجارة بيد واحدة 

الخميس، 23 نوفمبر 2017

سوء الفعل


من كتاب كليلة ودمنة:
زعموا إن امرأة ولدت غلاماً جميلاً ففرح به أبوه . وبعد أيام حان لها أن تتطهر فقالت المرأة لزوجها : اقعد عند ابنك حتى أذهب إلى الحمام فأغتسل وأعود. وانطلقت إلى الحمام، وخلفت زوجها والغلام. فلم يلبث أن جاءه رسول الملك يستدعيه ولم يجد من يخلفه عند ابنه غير ابن عرس - حيوان يشبه القط - داجن عنده كان قد رباه صغيراً ، فهو عنده عديل ولده. فتركه الرجل عند الصبي وأغلق عليهما البيت وذهب مع الرسول.
فخرج من بعض أحجار البيت حية سوداء فدنت من الغلام فضربها ابن عرس ثم وثب عليها فقتلها ثم قطعها وامتلأ فمه من دمها. ثم جاء الرجل وفتح الباب فالتقاه ابن عرس كالمبشر له بما صنع من قتل الحية
فلما رآه ملوثاً بالدم وهو مذعور طار عقله وظن أنه قد خنق ولده ولم يتثبت في أمره ولم يتروى فيه حتى يعلم حقيقة الحال ويعمل بغير ما يظن من ذلك ولكن عجل أبن عرس وضربه بعكازه كانت في يده على أم رأسه فمات.
ودخل الناسك فرأى الغلام سليماً حياً وعنده أسود مقطع
فلما عرف القصة وتبين له سوء فعله في العجلة لطم على رأسه. وقال: ليتني لم أرزق هذا الولد ولم أغدر هذا الغدر ودخلت امرأته فوجدته على تلك الحال فقالت له: ما شأنك فأخبرها بالخبر من حسن فعل ابن عرس وسوء مكافأته له فقالت: هذه ثمرة العجلة فهذا مثل من لا يتثبت في أمره بل يفعل أغراضه بالسرعة والعجلة.
أنتهي .

الأحد، 5 نوفمبر 2017

عصا الشعب


أجتمع تشرشل بوزرائه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بهدف التخطيط لإعادة بناء الإمبراطورية العظمى بعد تدميرها ، وأفاد الوزراء أن كل البُنى التحتية مدمرة تماما ، وكذلك معظم التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية ، إلا منظومة العدل ما زالت تحتفظ بكل هياكلها كاملة ، فرد عليهم تشرشل قائلا : إذا سننجح في إعادة بناء بريطانيا العظمي .
ان بناء الأمم وتقدمها واستمرارها قائم في الأساس على تطبيق العدل دون تمييز او عنصرية ، أو خروقات أو استثناءات ، العدل المطلق غير المشروط ، الذي يعتبر تطبيقه ثقافة قبل ان يكون قيمة دينية حثت عليها كل الأديان السماوية ،

فالعدل يوفر الأمان للضعيف والفقير، والحاكم والمحكوم ويُشْعره بالعزة والفخر ، يمنع الظالم عن ظلمه، والطامع عن جشعه ، ويحمي الحقوق والأملاك والأعراض فالكل سواسية عند سلطان العدل ، فالعدل في نظر النظار من أهم الوظائف المنوط بمنصب الرياسة والسياسة العليا للأمة، تحقيقا لمصالحها، ودرءا للمفاسد عنها، لنبذ كل ما من شأنه الإخلال بنظامها من الشقاق والنزاع والمخاصمة والمظالم
وكل هذا الخطاب الآنف لا يستسيغه المرضي النفسيون المتخمون بمركبات النقص ، الذين يبحثون دائما التمييز بينهم وبين الآخرون تمييزا قائم على السلطة والنفوذ والقوة ولو علي حساب كل قيم العدل والمساواة
فعندما تشعر البنت انها فوق كل اللوائح لان والدها نائب في مجلس النواب ، فهذا الشعور لم ينبع من فراغ ، بل انها تربت ونشأت في بيئة أججت العنصرية والتمييز داخلها للدرجة التي شعرت معها أنها اعلي من الناس بحق
وعندما يشعر أي مسئول انه (من طينة مختلفة) عن الآخرين فكيف تنتظر منه ان يبدي اي سلوك ايجابي يحقق العدل والتقدم والرخاء
كيف ننتظر مستقبل باهر مشرق سعيد مستمر ونحن – كإفراد -  نعاني من كل مركبات النقص التي تعرفها الصحة النفسية ، اليوم ومنذ الأزل ، لا نعمل ولا نجد ولا نستقيم ونعد إلا عندما تسلط علينا عصا الرقيب ، فتم إنتاج مسئولون لا يهتمون الا بتلك العصا التي ستهدم في المجتمع وتظل تهدم وتهدم حتي يأتي اليوم التي لا تقوم له قائمة


الحل الوحيد – الذي لن يكون في المستقبل القريب – سيتحقق حين تنتقل هذه العصا إلي يد الشعب.