الاثنين، 23 فبراير 2009

فرانكشتين

في سنة 1990من القرن السابق ، كان ضمن المنهج فى الصف الأول من البكالوريوس مادة السياسة والتي لا اعرف علاقتها بمؤهلي إلى هذه اللحظة ، إلا مجرد العلم بالشيء وكان يدرسها لنا الدكتور جمال زهران عضو مجلس الشعب الحالي منتدبا من كليته ، كان هم الدكتور الأول بناء جيل من الشباب يعرف حقوقه السياسية جيدا فربط درجات اعمال السنة باستخراج البطاقة الانتخابية ومناقشة جلسات مجلس الشعب فى المحاضرة ، آملا أن تكون بداية الوعي من هذا السن ، وهذا المكان ، فوجب علينا متابعة هذه الجلسات المملة ، واستخراج بطاقة الانتخاب ولو لم نستخدمها ، وأذكر اول مرة دخلت فيها مكتبة الهئية المصرية العامة للكتاب بسبب بحث طلبه الدكتور فى ثلاث كلمات هي ( البرجوازية ، الامبريالية ، البروليتاريا ) ، وكم عانيت كمبتدئ فى البحث فى الفهارس والقواميس السياسية ، ولكن هذا كان حال الدفعة بأكملها ، مما حول المكان الهادئ الراقي إلى ما يشبه السوق الشعبي

ربما كنت فى حاجة إلى هذه المقدمة الطويلة على غير العادة ، ولكن ما حدث كان له تأثيرا واضحا على اتجاهاتي حين أفكر ، فبعد هذا اليوم زرت المكان مئات المرات ، وقرأت مئات الكتب ، واستمتعت كثيرا بالهدوء ومنظر النهر بعد أن اكتسبت خبرة نادرة فى البحث ، وكان لمفردات بحثي الأول توابع هزتني كثيرا فى التنقل من كتب الثورة الماركسية ، إلى نظريات بارسونز الاجتماعية فى التنمية ، وتقلبت كثيرا بين مثالية ماركس فى وصفه لضحايا البرجوازيين من البروليتاريا الطبقة الكادحة التى هي نتيجة حتمية لوجود الرأسماليين ، وبين واقعية آدم سميث فى تقسيم العمل من أجل تقدم اقتصادي حتمي .

وأصبحت أقيس كل أحداث قد تمر بقياسات غاية فى التعقيد ، ما بين الأفكار المتباينة بغض النظر عن صدقها أو ثباتها أو تغيرها ، فمجتمعنا مجتمع ناقل فى كل الأحوال ، فينقل النموذج بما فيه أو ينقل أجزاء منه ويصنع كوكتيل من الممارسات ، دائمة التغيير حسب الهوى والمزاج ، حتى أصبح فكرنا عن كل شىء مسخ قبيح ، فديمقراطيتنا كوكتيلا لنماذج الحكم الستة لدي أرسطو ما بين الملكية والجمهورية الرئاسية والجمهورية البرلمانية ، والاستبدادية ، فأصبح نظامنا السياسي كمسخ فرانكشتين الذى خَلّقه ثم لم يستطع كبح جماحه حتى قتل على يده ، ونظامنا الاقتصادي قائم على كل النظريات الممكنة والمستحيلة سواء شرقية أو غربية أو دقهلية ، وأعلامنا صار أعلام فهمي نظمي رسمي لمعي ، وأصبح كل شىء معكوسا ، مقلوبا ، نضع الأحذية فى فتارين فاخرة والخبر على الأرصفة ، لأننا لا نستخدم أدواتنا الاستخدام الصحيح ، تماما كمسالة الأسلحة الفاسدة ، فنتيجة الاستخدام الخاطئ للأداة أكثر إيلاما من عدم استخدامها ، وأفسدنا على أنفسنا الكثير من المميزات التي يكتسبها الشعوب ( تلقائيا ) خلال مراحل تطوره ، فى السبيعينيات من القرن الماضى قامت مظاهرات خربت من أجل هدف جماعي – حين ارتفع سعر الخبر وبعض السلع - الهدف كان نبيلا ، ولكننا كنا نجهل كيفية الاعتراض والضغط ، ولكن فى القرن الواحد والعشرين التفتنا إلى وسائل أخري مشروعة وهي الاعتصام والأضراب ، تري هل نحسن استخدامها ؟

أرى أننا نستخدمها استخدام يقلل من تأثيرها على الواقع الاجتماعي ، وربما يأتي بنتائج عكسية على مستوي الأفراد ، اشعر أن فى تصرفاتنا بعض العنصرية ، وعلى جميع المستويات ، فعندما يطالب أحد أعضاء مجلس الشعب بلوحات سيارات خاصة لأعضاء المجلس ، فأنه يأصل العصرية بأبلغ صورها ، وعندما ينهض المحامون من أجل مصلحة المحامون فقط ، فذلك يثير حافظة فئات أخري ، حتى القضاة يعتصمون ، من أجل القضاة والصحفيون ، من أجل مزيد من المزايا للصحفيين ، والصيادلة من أجل قانون للضرائب ، حتى انقسمنا إلى شلل وعشيرات ، لا تمثل مجموعا .
تري من يدفع الثمن ، لأنه الغالبية العظمي من الشعب الذى لا يوجد فئة تحتويه غير أنه ينتمي لمصر
تري كم تمثل نسبة الصيادلة والقضاة ، والمحامين والصحفيين والمهندسين والأطباء والاجتماعية ن وكل النقابيين ، هل ستبلغ ربع هذا الشعب ؟ فسيدفع الثمن الباقين .
يجب أن نبحث عن استخدام امثل لوسائل الاعتراض ، يمثل ضغطا هائلا دون إفراط على الشعب المنهك ، أو تفريط فى الحقوق ، يجب أن نتحرك ككل ليس أجزاء ، فتمييز الجزء يعني بكل بساطة عنصرية ، ومن يملك وسائل الضغط لمصلحة فئة من الفئات دون الاخري ابلغ صور البرجوازية ، أمام امبريالية الحكومة التي تنام فى الشمس ولا تحرك ساكنا ، وتزداد الطبقة الكادحة مهانة لتصبح مثالا واقعيا للبروليتاريا العصرية .
كان من الممكن أن يرفض الصيادلة شحنات الأدوية من مصانعها ليضغطوا على الرأسماليين ، أو عدم دفع ضرائبهم ولن تستطيع الامبريالية الحكومية غلق الصيدليات ، ولكن كي يكون التأثير أكبر ، والضغط ذو قيمة اختاروا أن يكونوا فى صفوف البرجوازيين ، ويطحنوا رقاب البروليتاريا ، تماما مثل بائعين الاسمنت والحديد وجميع أنواع المخدرات والفياجرا ، ناسين أو متناسين أن الحكومة لا يعنيها الشعب بأكمله ، وتتمني لو يستمر الصيادلة فى إضرابهم حتى يوم القيامة ليموت الشعب أو أنه يصاب بالضعف الجنسي .

فكرت كثيرا وأنا أكتب هذا المقال ، فأني على موعد لزيارة وطنى اسبوعا الشهر المقبل ، وأخشي ذهابي إلى المطار بحلم أني بعد ساعات سأكون فى وطنى ، وأفيق من حلمي على قرار أضراب الطيارين وضباط المراقبة ، هل يتخيل أحد حجم الاحباط والنقم وقتها

هناك 13 تعليقًا:

سلوى يقول...

أتفق معك

أولا إننا نوظف طرق كالإضراب لتستخدم للضغط بشكل قوي
ويثمر عن نتائج نرغبها
كمان نتحد
نتحد
إحنا بقينا فرق في كل شئ

يوم إضراب الصيادله ذهب ابن أخي ليحضر دواء ما
لم يكن الدواء ضروري بالمعني
لكن المهم أنه وجد كل الصيدليات مغلقه

قلت طيب لو واحد حالته خطيره
ومحتاج دواء ما وبسرعه
يعمل إيه؟

إن شاء الله ترجع بلدك بالسلامه
ومايكنش في اضراب من الطيارين :))

جسر الى الحياة يقول...

معاك اننا نعانى فوضى الحماسة وايضا فردية المصالح لفئة دون الاخرى لكن هذا نتاج المرحلة الزمنية الحالية...وان شاء الله ميكونش فيه اضراب للطيارين ولا حاجة بتبشر ليه

اجازة سعيدة وعودا حميدا لوطنك

دمت بكل الخير

موناليزا يقول...

كلام كبير لايلتفت اليه من يقومون بالاضراب

مجداوية يقول...

السلام عليكم

تحليلك للوضع يعكس ثقافتك الشخصية أما تحليل الرجل البسيط فيقول كلمة واحدة والله حرام ويحسبن ومع كل احترامي لثقافتك وتحليلك وتقديري لهما فالأمر يفسره تحليل الرجل البسيط أنهم لا يتقون الله الحكومة ثم الهيئات ثم الأفراد فتخيل حكومة وشعبا يراعون الله فلن تجد شكوى ولا اضرابات ,ولكن هي أصبحت موضة كقذف الحذاء على بوش فعلها واحد وقلده الآخرون طمعا في الحصول على نفس نتائج الفعل الأول

وبالتالي مش بعيد يعملوا اضراب للطيارين لكن لو حدث مع توقيت زيارتك لمصر فأكيد حيكون مكشوف عنك الحجاب
:)

المهم متلاقيش الشعب كله مضرب
:)

مع تمنياتي لك باضراب سعيد أقصد بأجازة سعيدة
:)

حاول تفتكرنى يقول...

سلوي
هذا ما أعنية بالتمام ،
قديما كان هناك جيشا من الوطنين ، عملوا من أجل الصالح العام ، من أجل الشعب ككل ، منهم من نعرفهم ومنهم من نجهلهم ، وهذا ما نريده من أنفسنا ، أذا اردنا الضغط فلنفعل ولكن بكل حكمة ، والحكمة تقتضى صالح المجموع ، أكيد هناك ابواب اخري للضغط ، غير ( مسك ) الناس من رقابهم

تحياتي



****************

جسر إلى الحياة

بالعكس
المرحلة الحالية هي المتنفس الوحيد لنا كي نتفاعل أكثر ، ونبحث عن الابواب الصحيحة كي يعيش الفرد فينا حياة كريمة ليس أكثر
لا نريد رفاهية ، ولا كماليات

تحياتي

************

موناليزا

يكفي أن نلتفت اليه نحن
تري ماذا لو أضرب المرضى ، أو اضربا عن تناول أو استخدام اي شى يتم الضغط على الحومة بع ، ونكون نحن بين مطرقة هذا وسندال ذاك
الوضع أكيد مقلوب

تحياتي


**************

مجدواية
اهلا متجددة

الأمر ليس به اى انواع الثقاقات ، فأنا رجل من الشارع ، يشاهد ما يدور فيه ، وأدرك كما يدرك الجميع أن الثقة اصبحت معدومة فى الحكومة والهيئات والنقابات على حد سواء

واتفق معك تماما فى مسألة الموضة هذه ، ولا استطيع أن ابعد عن رأسى فكرة أن كل هذا ملفق ، وأن ما يحدث ما هو إلا سلسلة متقنة من الأكاذيب ، لبلوغ هدف ما لا نعرفه

ولكن النتيجة واحدة مهما كان ، سواء كان هذا حقيقى أو ملفق ، أنه نحن من يدفع الثمن ، ونحن من يعاني

تحياتي

سمراء يقول...

ان تلك الاضرابات هي الأمل الذي نعيش فيه الآن
ونعتقد انها بداية لثورة جماعية
بطريقة متحضرة
هي اعلان الرفض لقرارات وقوانين
والتفاوض مع الحكومة للوصول الى مطالب شعبية


اعتقد وأامل ان تكون تلك هي الحقيقة
سمراء

حاول تفتكرنى يقول...

اهلا سمراء

استوقفتني كلمة (هي الأمل ) معقولة

يعني الامل لم يعد فى حياة كريمة للجميع ولا نضطر معها إلى الاعتصامات والاضرابات !!!!!!!

طيب بلاش دي

الامل فى الاضربات سأوافق
ولكن أيجب أن يكون الاضراب على حساب الغلبان ، مينفعش اضراب يؤثر على الحكومة وليس على الشعب ، لتظهر فى النهاية الحكومة مرتدية ثوب المنقذ دائما ، والتي ترضخ من أجل ألا يتأثر الغلابة بالاضراب

بلاش دي كمان
ليه مفيش أضراب فى المدارس على الاقل العيال يفرحوا
ولا إضراب فى محلات قدورة وابوغالي ، لما يزيد سعر كيلو الجمبري عن الثلاثة مائة جنيه ، على الأقل محدش بيأكله
بلاش كل ده
ليه مفيش اضراب فى محطات البنزين ، لما كل شوية سعره بينط ، على الاقل ترجعي تركبي مكروباص وتريحي سيارتك اللى تعبتيها معاكي

سمراء
فى الثلاثينيات من القرن الماضى ظهرت حركة عالمية من المؤسسات القاعدية وكان أهم المؤسسات هي جمعيات حماية المستهلك ، ولدينا مؤسسات منها فى شارع السودان بالمهندسين ، لو دخلتيها ستطالبى بإضراب شامل حتى تغلق مثل هذه المؤسسات الاسمية وكذلك النقابات ، والجمعيات الخيرية ، والاندية النسائية ، وكمان الرياضية لانها كلها شكلية ، وأهدافها الشعبية مجرد أهداف مكتوبة فى لائحة النظام الاساس

اى تفاوض تقصدين ، مين سيتفاوض بأسم الشعب ، وينسي المجموعة الضيقة التي ينتمي لها
من يملك ابواق عالية مثل الصحفيين ، ومكانة مرموقة مثل القضاة ، وحصانة غير قابلة للتقليد مثل اعضاء مجلس الشعب

من سيتفاوض
ولأجل من

ولكن فى النهاية اتمني أن أصل إلى هذه الدرجة من الأمل الذي أشرتي إليه

تحياتي

سكينة يقول...

اتفقنا على أن نختلف
شكرا لأنك فكرتني بالهيئة العامة للكتاب سأجعلها وجهتي في الهجمة الملل القادمة
رحلة سعيدة بأقل عدد من الإضرابات

حاول تفتكرنى يقول...

اهلا سكينة

الاتفاق على الاختلاف شىء صحي

المرض فيه أن لا يكون هناك قضية نتفق ونختلف عليها

الهيئة مكان راقي
اذهبى ، وااذ اردتي نصيحة تجعلك تتعلقين بها اكثر
قومي بزيارة الدور الثالث ، قاعة القطع الموسيقية

تحياتي

غير معرف يقول...

الانانيه هى التى جعلت كل قوىيحاول الحصول على حق غيره
وبتالى لا تتحرك اى فئه الا اذا تعرضت لخطر مباشر
ويكون هذا التحرك لهدف واحد هو حمايه مصالحها الخاصه تاكيدا لحاله الانانيه تلك
ترى هل من الممكن ان نتخلص من تلك الحاله؟؟
اجازه سعيده باذن الله
تحاتى
منى
احاسيس

حاول تفتكرنى يقول...

منى

مرحبا دائما

لكن الانانية فى حد ذاتيها ليست هدف من البداية
لكنها قد تكون مجرد نتيجة لجملة من الاحباطات ، التي يفرزها واقعنا الغير سوي

ربما يستطيع الاتجاه العام - اذا وجد - نحو هدف عام ، أن يحد منها على المستوي الجماعي

تحياتي

Unknown يقول...

للاسف الشديد جُربت علينا جميع النظريات السياسية والاقصادية
ولا يعطون لكل نظرية وقتها
اللازم للنجاح او لتأتى
بثمارها المرجوة

حاول تفتكرنى يقول...

نوراهاتي

طبيعي جدا ان تفشل كل التجارب

اننا نستورد النظرية ونطبقها دون النظر على ما يناسبنا

ده لو كان عندنا فكر مالاساس

اشكرك على الزيارة
تحياتي