لا أعرف سر هذا الكتاب ، ولمسته السحرية على شخصيتى ، وحزمه فى حسم الصراعات النفسية لصالحي حين اتصارع مع كل أجزائي ، وكيف نفذ إليها ، وجعلنى ألتمسه حين تلاحقني جيوش الألم وجحافل الاكتئاب ، الجأ إليه فى أحلك الأحوال حين أتمنى البكاء وتعز الدموع فلا أجد ما يريحني من تلال الهموم داخلي.
أنه العبرات لمصطفي لطفي المنفلوطي ، بما يملكه من كل أدوات التنفيس النفسى بأمتزاج ملايين المعاني البليغة بين سطوره مع كل المكبوتات داخلي ، ربما لنه عالج آهات من يكتب عنهم ببلاسم صنعتها بلاغة الحرف مسح دموعهم بمناديل من الحكمة وزرع فيهم الحب دون أن يفصله عن التضحية ، واخترع أبجديات جديدة للألم فأحببنا ان نتألم حبا فى من يؤلمن
أمسك الكتاب بشغف أبحث عن مفردات قرأتها قبلا ، واقرأها كأني أول مرة أقرأها ، وافتش بين السطور عن تلك المعاني محاولا الخروج بها من حالة اليأس ، واتذوق فيها جمال ينسينى حالة الاكتئاب ومرار الألم حين لا يشعر به أحد غيري
ترى هل هناك علاقة بين الكآبة ووصفها ، واليأس ومنسياته ، والحزن والبوح عنه ، والألم وتأمله
كيف نستريح لترجمة الآخرين لما يدور داخلنا ، أم نطمئن لبلاغة وصفهم لنا من الداخل فنبحث تارة عن من يستطيع قراءتنا ويرتجم ويصف نيابة عنا ، ونبحث تارة أخري عن من يبكي ، لنبكي معه حين نريد أن نبكي ولا نستطيع ، ونبحث ثالثة عن من يحطم قضبان حزنه فنتحرر معه من قيود أحزاننا ، نبحث في بلاسم الآخرين عن ملطف للألم ونحن ندرك أسبابة ونتناساها ولا نجرؤ على التأمل فيها ولو بين أنفسنا ، بل كيف يحطمنا الألم ونعشقه ، ويغتالنا حلم ونظل نحلمه ونقبل يداه الممدودة لأعناقنا ، بل نتمنى أن يزيد ألمنا بشرط أن يظل معنا ، ونحن على يقين من أبعاد كذبه ونتظاهر بتصديق حلمنا الكاذب حتى لا نخسر وجوده ، كيف نحن ونقتل !!! ، نغشق ونغتال !!! ، ولا يحق لنا ولا نستطيع أن نبكي أو نكتئب او نتألم ، ونكون مطالبين فى كل الأحوال بالابتسام .
فالحلم لهب ( واحد ) ينجذب إليه فراشات ( متعددة ) ذات الوان متباينة يحترق منها من يقترب أكثر ، واللهب دائما فى حاجة لفراشات جديدة ، ولا يحق لمن يحترق الاعتراض ، وليته يموت من يحترق ، بل يظل متألما أسفل اللهب يتقلب يمنة ويسرة ويتمنى ان ينتهي الألم ولو بموته
فهل يحق للفراشات قليلا من التأمل ؟