كلنا نكذب ، رغم ان معظمنا يدرك ان الكذب خوف وكثير منا يستطيع السيطرة على الخوف ، ويعرف ان الكذب ضعف وكثير منا ليس لا يحتاجه ، ويعترف ان الكذب نقص ويظل يحلم بالمثالية ، وتظل المحاولات متتالية لاقناع النفس بأننا من هؤلاء الذين يكرهون الكذب ولا يكذبون ولكنا نفعل رغم كرهنا له ، وهؤلاء الذين يمارسونه على نطاق واسع ، يمارسونه بالاعتياد ، يمارسونه دون داع ، يمارسونه وهم لا يلحظون تلك الممارسة فكل هؤلاء ايضا يكرهون الكذب ، حتي هؤلاء الذين يحبون ان يكذبوا يكرهوا ان يمارس احد عليهم الكذب ، فكل هؤلاء نستطيع ان نعبر كذبهم ، لاننا - قد نكون - منهم ، وانهم قد لا يشعرون
وبكل واقعية لا نستطيع ان نلعن هؤلاء ، فالكل يعرف والكل يفعل ، والكل ينتقد من يفعل
ولكننا نتعجب من هؤلاء الذين يكذبون علي انفسهم ، وينصحون بما ليس فيهم ، ويهاجمون وينتقدون ما هم عليه دائما .
فالتي تطارد كل طريد في السر وفي العلن تشتكي من المطاردات تماما مثل الذي ينشر الرزائل رغم كونه فليسوفا في كل الفضائل
يشعرون او لا يشعرون ، لا فرق بين ذلك وتلك ، ففي كل الاحوال هم يكذبون على انفسهم ، يخدعونها ، يلعنونها صباح مساء
او كما عبر أبو الاسود الدؤلي في قصيدته حسدوا الفتي اذا لم ينالوا سعيه ومنها
وَإِذا جَريتَ مَع السَفيهِ كَما جَرى | فَكِلاكُما في جَريهِ مَذمومُ |
وَإِذا عتِبتَ عَلى السَفيه وَلُمتَهُ | في مِثلِ ما تأَتي فَأَنتَ ظَلومُ |
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ | عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتُ عَظيمُ |
ابدأ بِنَفسِكَ وَانَها عَن غِيِّها | فَإِذا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكيمُ |